عشرات الأطنان تدخل السوق يوميا, والمحال المرخص لها 20 فقط
مطعم سياحي شهير يقدم الجاموس على أنه غنم
فتح استيراد لحوم الجاموس المثلجة الباب على مصراعيه أمام الغش في اللحوم الحمراء الطازجة, الذي تعاني منه الأسواق في حلب أصلا بسبب انتشار المذابح السرية.
وفيما اعتبرت مديرية الشؤون الصحية في المدينة إن صلاحيتها تقتصر على تحديد ما إذا كانت اللحوم صالحة للاستهلاك البشري أم لا، قالت مديرية التجارة الداخلية إنه لا إمكانية لديها لتحليل اللحوم من أجل معرفة نوعيتها, معتبرة أن وجود لحم مفروم, أو من نوع آخر غير المرخص به, في أي محل هو قرينة غش تعرض صاحبها للقضاء موجوداً.
استيراد وتهريب
ضبطت الأمانة الجمركية في منطقة نصيب الحدودية في درعا، مطلع هذا العام, شاحنة تحمل 30 طناً من لحم الجاموس المبرد على شكل بلوكات، هندي المصدر، وتبين أن الشاحنة, التي تقدمت ببيان مزور, هي واحدة من 62 شاحنة تبريد, تحمل لوحات لإحدى الدول الخليجية، محملة بألفي طن من لحوم الجاموس.
وكانت وزارة الاقتصاد والتجارة سمحت باستيراد لحم الجاموس من الهند، بعد طلب مقدم من اتحاد غرف التجارة، بشرط الالتزام بشروط الذبح على الطريقة الإسلامية, برقابة من لجان فنية متخصصة قبل الاستيراد.
وتستورد اللحوم المجمدة وفق البندين الجمركيين 201 و202 الذين يحددان اللحوم من الفصيلة البقرية (بقر- جاموس ) طازجة ومجمدة. ويتم استيراد معظم كميات لحوم الجاموس المثلجة من الهند. وحسب مستوردين, فإن تكلفة الكغ الواحد من لحم الجاموس تصل في أعلاها إلى نحو 150 ليرة سورية، وتباع في الأسواق بأسعار لا تتجاوز 225 ليرة. وقال أحد المستوردين, طالبا عدم الكشف عن اسمه, إن البعض يشترون شحنات تم رفضها في دول الجوار, بأسعار أرخص, ويتم إدخالها إلى القطر عبر المنافذ الحدودية ونقاط التهريب, وتباع بأسعار منخفضة أكثر.
واعتبر المستورد أنه "لا مصلحة للمستوردين بالتهريب, لأن الوفر المتحقق منه لا يوازي المخاطرة, وكذلك للمهربين، إلا إذا كانوا يدخلون النوعية المرفوضة, أو التي تصنف كطعام للكلاب", مؤكداً على أن "كل ما يدخل عبر الحدود النظامية هو لحوم سليمة".
لكن خالد صقر, وهو مستورد لنفس اللحوم في حلب, قال "يوجد في السوق كميات مهربة من نفس الماركة التي أقوم باستيرادها وحفظها في براد تابع للدولة، ولا يمكن تمييزها عن المستوردة بشكل نظامي". وطالب بإيجاد " آلية لمنع التهريب الذي يلحق الضرر بالمستوردين النظاميين".
وقدر كمية اللحوم المثلجة التي تستجر يومياً في مدينة حلب بحوالي 60 طنا, وقال إن "10% منها فقط مستورد بشكل نظامي, والباقي يبدو أنه مهرب".
مراقبة لحم الجاموس
طالبت مديرية الشؤون الصحية في مدينة حلب بإعادة النظر في آلية الرقابة على اللحوم المثلجة المستوردة.
وقال مدير الشؤون الصحية الدكتور مازن بكباشي "يتم استيراد اللحوم المثلجة بشكل نظامي, ولكن طبيعة التعليب تجعل من الصعب تمييز اللحوم النظامية من المهربة, و يجعل مراقبتها أمراً صعبا؛ ويحتاج إلى سحب عينات؛ وتحاليل إضافية, وقد تتلف خلال نقلها إذا لم يتم بطريقة نظامية".
وطالب بكباشي بأن يتم إحضار المستوردات إلى المسلخ الفني في الراموسة, للتأكد من صلاحيتها للاستهلاك البشري, قبل طرحها في الأسواق.
وقال خالد صقر, وهو أحد المستوردين, "نحن مستعدون لأي إجراء يضمن الصحة العامة, بما فيه ختم اللحوم".
وقال رئيس نقابة عمال القصابة, عبد الفتاح ديري, لسيريانيوز "لقد قررنا أن نلزم المحال التي تريد بيع لحم الجاموس المثلج بأخذ موافقتنا وموافقة الشؤون الصحية, حيث لن يسمح لها ببيع غير اللحم المثلج".
وحسب معاون مدير الشؤون الصحية, الدكتور زياد واعظ, فإن عدد المحال التي أعلمت مديرية الشؤون الصحية برغبتها بيع اللحوم المثلجة بلغ نحو عشرين محلاً في محافظة حلب. ويثير الرقم المتدني للمحال التساؤلات عن طريقة تصريف الكميات الكبيرة التي قدرها أحد التجار بــ "60 طن يومياً ", مع ضبط كمية من لحم الجاموس في أحد المطاعم السياحية تقدم على أنها لحم خروف.
قمع الغش
من جهته, قال معاون مدير التجارة الداخلية في حلب, وضاح نيرباني, إن "التحاليل التي تجرى لا يمكن لها كشف نوع اللحم بعد فرمه، ولكن نحن نعتبر أن مجرد وجود لحم مفروم جاهز أو لحم جاموس أو لحم بقر في المحال المختصة ببيع لحم الغنم هو قرينة غش, فلا مبرر لوجود شيء غير مرخص به", مضيفاً أن "هؤلاء يتذرعون بأن الكمية الموجودة هي طلبية لأحد الزبائن".
وأكد نيرباني على أنه "ليس من حق القصاب أن يضع أي لحم في المحل, إلا كجزء من ذبيحة لا تزال تحمل دمغ الشؤون الصحية، وكل قطعة أو جزء من ذبيحة لا تحمل الدمغة نعتبرها قرينة غش".
وأضاف "أخذنا عشرة عينات من لحوم الجاموس المستوردة، وتبين أنها صالحة للاستهلاك البشري"، معتبراً أنه لا يمكن بالتحليل معرفة نوعية اللحم المستخدم في اللحم المفروم, وفي السجق, والنقانق, ولذلك نعتبر أن وجود لحم مثلج هو قرينة غش في تحضير هذه الأنواع".
معاون مدير الشؤون الصحية, قال "يوجد فرق بين لحمي الجاموس والعجل, وإن كانا من نفس الفصيلة البقرية، وما يهمنا هو فرق السعر وغش المواطن".
وأضاف "تشددنا في إعلان باعة اللحم المثلج عن نوعية اللحم, وعدم بيع أي نوع آخر, سواء غنم أو بقر، وأوعزنا للنقابة بتوزيع إرشاد للبائعين يتم تعليقه في المحل لتوضيح كيفية التعامل مع هذه النوعية من اللحوم من قبل المواطن، ويجب غلي هذا اللحم بشكل جيد وطرح الماء الناتج عن السلق كونه قد يحوي جراثيم لم يقض عليها خلال الغلي".
في المرتديلا وكل شيء!!
أجازت جدير ذكره أن هيئة المواصفات والمقاييس السورية ووزارة الصناعة استخدام لحم بقر الجاموس في صناعة المرتديلا, كونها من نفس جنس العائلة البقرية، إلا أن أي منتج مطروح في الأسواق لا يشير إلى وجود لحم جاموس في مكوناته.
علي, وهو عامل في محل في حي الميدان, قال إن "المرتديلا التي نصنعها تعتمد على لحم الجاموس المثلج مع دهن خروف من أجل لذة الطعم، ونفرم يومياً كمية كبيرة تذهب إلى عدة مطاعم, ولولا ذلك لوصل سعر كيلو اللحم إلى ألف ليرة", و أكد علي على أن "أفران الفطائر والمطاعم الشعبية أصبحت تعتمد على لحم الجاموس بدلاً من اللحم المخالف الموزع من قبل المسالخ السرية في قرلق".
أما أبو خليل, وهو قصاب في حي السليمانية بحلب, فقال "لا يوجد مشكلة في استخدام لحم الجاموس في تحضير البسطرمة, رغم أنني شخصياً لا أستخدمها (...), ربما يعتبرونها غشا لأن لحم الجاموس أرخص".
ورغم الكميات الكبيرة التي تدخل السوق يومياً في حلب، إلا أن قلة قليلة فقط من المحال تصرح عن وجود لحم جاموس مثلج لديها, بعد أكثر من شهرين على قرار كل من مديرية الشؤون الصحية ونقابة عمال القصابة.
الجاموس يصبح خروفاً
لا يقتصر الغش على المطاعم الشعبية التي تقدم المشاوي أو تبيعها "ع الماشي ". يقول كمال, وهو عامل في مطعم لبيع المشاوي والكبب "في حال لم نفعل ذلك ونخلط لحم العجل بالغنم سيصل سعر الكغ المشوي الشقف مع لوازمه إلى ألف ليرة, واعتقد أنهم يتغاضون عنا من أجل ذلك".
و يتراوح سعر كغ اللحم المشوي شقف و كباب بين 500 و600, وهو نفس سعر كغ اللحم النيئ, مما يؤكد وقوع الغش في اللحوم.
في الأسبوع الفائت, صادرت لجنة الرقابة السياحية المشتركة في مدينة حلب كمية من اللحوم المثلجة المستوردة من الهند, نوع جاموس, بلغ وزنها حوالي 22 كغ, مخالفة للمواصفات الصحية, وذلك في مطعم نادي الاتحاد, المصنف سياحياً.
وقال نجدت نيال رئيس اللجنة, التي تضم ممثلين عن الشؤون الصحية والتجارة الداخلية ومديرية السياحة, لسيريانيوز إن المشرفين على المطعم "خلطوا لحم الجاموس المثلج بلحم الغنم, وقدموه للزبائن على أنه لحم غنم".
وأضاف أن "الفرق الكبير بين سعري النوعين, والجشع, يؤدي إلى الغش, حيث يبلغ الفرق بين النوعين بين 300 و400 ليرة".
الاقتصاد ترفض وقف تصدير الغنم السوري
ومؤخراً طالبت جمعية اللحامين بوقف تصدير الأغنام لمدة ثلاث سنوات لوقف ارتفاع سعر اللحوم في الأسواق المحلية, بعد أن وصلت إلى 800 ل.س للكغ الهبر في دمشق.
لكن معاون مدير التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد ثائر فياض قال لسيريانيوز في وقت سابق إن "موضوع ارتفاع أسعار اللحوم لا علاقة له بالتصدير, وإنما بارتفاع تكاليف الأعلاف والتربية", وأضاف " لا نستطيع إيقاف التصدير, فمن غير المناسب أن نضيع فرصة الانفتاح على الأسواق الخارجية", معتبراً أن الوزارة "سمحت باستيراد اللحوم المثلجة " لسد النقص.
وكانت جمعية اللحامين ذكرت أن انخفاض أعداد ذكر العواس شكل أزمة في الأسواق, ولجأ البعض إلى ذبح إناث العواس بشكل غير نظامي، لذلك من الضروري وقف التصدير، واعتماد التجربة التركية بوقف التصدير مدة 10 سنوات ومنع ذبح الخراف دون عمر 5 سنوات.
وارتفعت أسعار اللحوم الحمراء بشكل كبير في أسواق حلب ووصلت إلى 700 ليرة لكيلو اللحم الهبر (غنم) و 500 ليرة للحمل العجل, ما شجع أصحاب المطاعم والقصابين على الغش بسبب فارق السعر الكبير بين نوعي اللحم, والذي يتراوح بين 300 – و 500 ليرة.
عودة اللحم إلى الموائد
وأدت فورة لحوم الجاموس في الأسواق وطرحها بأسعار مقبولة, قياساً بارتفاع أسعار اللحوم الأخرى (متوسط سعر العجل 450 ليرة والغنم 650 ليرة), إلى إقبال شعبي كبير عليها.
ويقول سامح, وهو عامل في محل في سوق العتمة, يبيع لحم الجاموس, " قلما نجد أحداً يشتري أقل من كيلو، وقبل لحم الجاموس كان البعض يشتري ربع كيلو فقط ".
نزار سليمان, وهو طالب جامعي, اعتبر أن استيراد لحوم الجاموس "مكن الشريحة الفقيرة من استهلاك كمية اكبر من اللحوم وتحسين راتبها الغذائي", مؤكداً أنه شخصياً لم يجد فرقاً بينها وبين اللحوم الطازجة.
واعتبر أنه "في حال وجود رقابة حقيقية على اللحوم في الهند وسورية, ستكون أضمن من اللحوم التي تخرج من المذابح السرية في قرلق وغيرها".
حسين جاسم قال "في حي بستان الباشا افتتح محل بشكل استعراضي وأقام حفلة لأن الناس سوف تحصل على كغ الهبرة بــ 200 ليرة, وكان صاحبه ينادي شكراً لمن سمح باستيراد اللحم المثلج, ولقي إقبالا كبيراً على محله وأنا اشتريت كغيري".
أما غادة, وهي ربة منزل, فتخشى تناول هذا اللحم المستورد لأنه "لا ثقة لي بالرقابة على اللحوم، فكل المواشي تجد طريقها إلى بطون الناس (...) من يدفن بقرة أو غنمة عند موتها؟, استيراد الجاموس المخالف أسهل من توزيع اللحوم المخالفة".
باسل ديوب – سيريانيوز - حلب
Read More......